فصل: تفسير الآيات (176- 177):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (166):

{إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166)}
{إِذْ تَبَرَّأَ الذين اتبعوا مِنَ الذين اتبعوا} بدل من {إِذْ يَرَوْنَ}، أي إِذ تبرأ المتبوعون من الأتباع. وقرئ بالعكس، أي تبرأ الأتباع من الرؤساء {وَرَأَوُاْ العذاب} أي رائين له، والواو للحال، وقد مضمرة. وقيل؛ عطف على تبرأ {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب} يحتمل العطف على تبرأ، أو رأوا والواو للحال، والأول أظهر. و{الأسباب}: الوصل التي كانت بينهم من الاتَّباع والاتفاق على الدين، والأغراض الداعية إلى ذلك. وأصل السبب: الحبل الذي يرتقي به الشجر. وقرئ و{تقطعت} على البناء للمفعول.

.تفسير الآية رقم (167):

{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)}
{وَقَالَ الذين اتبعوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤوا مِنَّا} {لَوْ} للتمني ولذلك أجيب بالفاء، أي ليت لنا كرة إلى الدنيا فنتبرأ منهم {كذلك} مثل ذلك الآراء الفظيع. {يُرِيهِمُ الله أعمالهم حسرات عَلَيْهِمْ} نَدامات، وهي ثالث مفاعيل يرى أن كان من رؤية القلب وإِلاَّ فحال {وَمَا هُم بخارجين مِنَ النار} أصله وما يخرجون، فعدل به إلى هذه العبارة، للمبالغة في الخلود والأقناط عن الخلاص والرجوع إلى الدنيا.

.تفسير الآية رقم (168):

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)}
{يأَيُّهَا الناس كُلُواْ مِمَّا في الأرض حلالا} نزلت في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس، وحلالاً مفعول كلوا، أو صفة مصدر محذوف، أو حال مما في الأرض ومن للتبعيض إِذ لا يؤكل كلٍ ما في الأرض {طَيّباً} يستطيبه الشرع، أو الشهوة المستقيمة. إذ الحلال دل على الأول. {وَلاَ تَتَّبِعُواْ خطوات الشيطان} لا تقتدوا به في اتباع الهوى فتحرموا الحلال وتحللوا الحرام. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والبزي وأبو بكر حيث وقع بتسكين الطاء وهما لغتان في جمع خطوة، وهي ما بين قدمي الخاطي. وقرئ بضمتين وهمزة جعلت ضمة الطاء كأنها عليها، وبفتحتين على أنه جمع خطوة وهي المرة من الخطو {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهر العداوة عند ذوي البصيرة وإن كان يظهر الموالاة لمن يغويه، ولذلك سماه ولياً في قوله تعالى: {أَوْلِيَاؤُهُمُ الطاغوت}

.تفسير الآية رقم (169):

{إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)}
{إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بالسوء والفحشاء} بيان لعداوته، ووجوب التحرز عن متابعته. واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيهاً لرأيهم وتحقيراً لشأنهم، والسوء والفحشاء ما أنكره العقل واستقبحه الشرع، والعطف لاختلاف الوصفين فإنه سوء لاغتمام العاقل به، وفحشاء باستقباحه إياه. وقيل: السوء يعم القبائح، والفحشاء ما يتجاوز الحد في القبح من الكبائر. وقيل: الأول ما لا حد فيه، والثاني ما شرع فيه الحد {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأساً. وأما اتباع المجتهد لما أدى إليه ظن مستند إلى مدرِك شرعي فوجوبه قطعي، والظن في طريقه كما بيناه في الكتب الأصولية.

.تفسير الآية رقم (170):

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)}
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله} الضمير للناس، وعدل بالخطاب عنهم للنداء على ضلالهم، كأنه التفت إلى العقلاء وقال لهم: انظروا إلى هؤلاء الحمقى ماذا يجيبون. {قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءنَا} ما وجدناهم عليه نزلت في المشركين أمروا باتباع القرآن وسائر ما أنزل الله من الحجج والآيات، فجنحوا إلى التقليد. وقيل في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإِسلام، فقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا لأنهم كانوا خير منا وأعلم. وعلى هذا فيعم ما أنزل الله التوراة لأنها أيضاً تدعو إلى الإسلام. {أَوَ لَّوْ كَانَ آباؤهُم لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ} الواو للحال، أو العطف. والهمزة للرد والتعجيب. وجواب {لَوْ} محذوف أي لو كان آباؤهم جهلة لا يتفكرون في أمر الدين، ولا يهتدون إلى الحق لاتبعوهم. وهو دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر والاجتهاد. وأما اتباع الغير في الدين إذا علم بدليل ما أنه محق كالأنبياء والمجتهدين في الأحكام، فهو في الحقيقة ليس بتقليده بل اتباع لما أنزل الله.

.تفسير الآية رقم (171):

{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171)}
{وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء} على حذف مضاف تقديره: ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق، أو مثل الذين كفروا كمثل بهائم الذي ينعق. والمعنى أن الكفرة لانهماكهم في التقليد لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم، ولا يتأملون فيما يقرر معهم، فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق عليها فتسمع الصوت ولا تعرف مغزاه، وتحس بالنداء ولا تفهم معناه. وقيل هو تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها، بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته. أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام، بالناعق في نعقه وهو التصويت على البهائم، وهذا يغني الإضمار ولكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء، لأن الأصنام لا تسمع إلا أن يجعل ذلك من باب التمثيل المركب.
{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} رفع على الذم. {فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} أي بالفعل للإخلال بالنظر.

.تفسير الآية رقم (172):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}
{يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم} لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوء ما حرم عليهم، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال: {واشكروا للَّهِ} على ما رزقكم وأحل لكم. {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إن صح أنكم تخصونه بالعبادة، وتقرون أنه مولى النعم، فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر. فالمعلق بفعل العبادة هو الأمر بالشكر لإِتمامه، وهو عدم عند عدمه. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى إني والإِنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري».

.تفسير الآية رقم (173):

{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)}
{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة} أكلها، أو الانتفاع بها. وهي التي ماتت من غير ذكاة. والحديث ألحق بها ما أبِيْنَ من حي. والسمك والجراد أخرجهما العرف عنها، أو استثناه الشرع. والحرمة المضافة إلى العين تفيد عرفاً حرمة التصرف فيها مطلقاً إلا ما خصه الدليل، كالتصرف في المدبوغ. {والدم وَلَحْمَ الخنزير} إِنما خص اللحم بالذكر، لأنه معظم ما يؤكل من الحيوان وسائر أجزائه كالتابع له. {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله} أي رفع به الصوت عند ذبحه للصنم. والإِهلال أصله رؤية الهلال، يقال: أهل الهلال وأهللته. لكن لما جَرت العادة أن يرفع الصوت بالتكبير إذا رُئي سمي ذلك إهلالاً، ثم قيل لرفع الصوت وإن كان لغيره. {فَمَنِ اضطر غَيْرَ بَاغٍ} بالاستيثار على مضطر آخر. وقرأ عاصم وأبو عمرو حمزة بكسر النون. {وَلاَ عَادٍ} سد الرمق، أو الجوعة. وقيل: غير باغ على الوالي، ولا عاد بقطع الطريق. فعلى هذا لا يباح للعاصي بالسفر وهو ظاهر مذهب الشافعي وقول أحمد رحمهما الله تعالى. {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} في تناوله. {إِنَّ الله غَفُورٌ} لما فعل {رَّحِيمٌ} بالرخصة فيه. فإن قيل: إنما تفيد قصر الحكم على ما ذكر وكم من حرام لم يذكر. قلت: المراد قصر الحرمة على ما ذكر مما استحلوه لا مطلقاً، أو قصر حرمته على حال الاختيار كأنه قيل إنما حرم عليكم هذه الأشياء ما لم تضطروا إليها.

.تفسير الآية رقم (174):

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)}
{إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيًلا} عوضاً حقيراً. {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار} إما في الحال، لأنهم أكلوا ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار كقوله:
أَكَلْتُ دَماً إِنْ لَمْ أَرُعْكِ بِضرة ** بَعِيدة مَهوى القِرطِ طيبة النَّشر

يعني الدية. أو في المآل أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار. ومعنى في بطونهم: ملء بطونهم. يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه كقوله:
كُلوا في بَعضِ بَطنِكَمو تُعفُوا

{وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله يَوْمَ القيامة} عبارة عن غضبه عليهم، وتعريض بحرمانهم حال مقابليهم في الكرامة والزلفى من الله. {وَلاَ يُزَكّيهِمْ} لا يثني عليهم. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.

.تفسير الآية رقم (175):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)}
{أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} في الدنيا. {والعذاب بالمغفرة} في الآخرة، بكتمان الحق للمطامع والأغراض الدنيوية. {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النار} تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النار من غيره مبالاة. وما تامة مرفوعة بالابتداء، وتخصيصها كتخصيص قولهم: (شَرٌّ أَهَر ذَا نَابٍ) أو استفهامية وما بعدها الخبر، أو موصولة وما بعدها صلة والخبر محذوف.

.تفسير الآيات (176- 177):

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}
{ذلك بِأَنَّ الله نَزَّلَ الكتاب بالحق} أي ذلك العذاب بسبب أن الله نزل الكتاب بالحق فرفضوه بالتكذيب أو الكتمان. {وَإِنَّ الذين اختلفوا فِي الكتاب} اللام فيه إما للجنس، واختلافهم إيمانهم ببعض كتب الله تعالى وكفرهم ببعض. أو للعهد، والإِشارة إما إلى التوراة، واختلفوا بمعنى تخلفوا عن المنهج المستقيم في تأويلها، أو خلفوا خلال ما أنزل الله تعالى مكانه، أي حرفوا ما فيها. وإما إلى القرآن واختلافهم فيه قولهم سحر، وَتَقوَّلَ، وكلام علمه بشر، وأساطير الأولين. {لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} لفي خلاف بعيد عن الحق.
{لَّيْسَ البر أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المشرق والمغرب} {البر}: كل فعل مرضٍ، والخطاب لأهل الكتاب فإنهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حولت، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد الله تعالى عليهم وقال: ليس البر ما أنتم عليه فإنه منسوخ، ولكن البر ما بينه الله واتبعه المؤمنون. وقيل عام لهم وللمسلمين، أي ليس البر مقصوراً بأمر القبلة، أو ليس البر العظيم الذي يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها، وقرأ حمزة وحفص {البر} بالنصب {ولكن البر مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر والملئكة والكتاب والنبيين} أي ولكن البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن بالله، أو لكن ذا البر من آمن، ويؤيده قراءة من قرأ {ولكن البار} والأول أوفق وأحسن والمراد بالكتاب الجنس، أو القرآن وقرأ نافع وابن عامر: {ولكن} بالتخفيف ورفع {البر}. {وَآتَى المَالَ عَلى حُبِّهِ} أي على حب المال، قال عليه الصلاة والسلام لما سئل أي الصدقة أفضل قال: «أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش، وتخشى الفقر» وقيل الضمير لله، أو للمصدر. والجار والمجرور في موضع الحال. {ذَوِي القربى واليتامى} يريد المحاويج منهم، ولم يقيد لعدم الالتباس. وقدم ذوي القربى لأن إيتاءهم أفضل كما قال عليه الصلاة والسلام: «صدقتك على المسكين صدقة وعلى ذوي رحمك اثنتان، صدقة وصلة» {والمساكين} جمع المسكين وهو الذي أسكنته الخلة، وأصله دائم السكون كالمسكير للدائم السكر. {وابن السبيل} المسافر، سمي به لملازمته السبيل كما سمي القاطع ابن الطريق. وقيل الضيف لأن السبيل يرعف به. {والسائلين} الذين ألجأتهم الحاجة إلى السؤال، وقال عليه السلام: «للسائل حق وإن جاء على فرسه» {وَفِي الرقاب} وفي تخليصها بمعاونة المكاتبين، أو فك الأساري، أو ابتياع الرقاب لعتقها. {وأَقامَ الصَّلاةَ} المفروضة. {وَآتَى الزَّكَاةَ} يحتمل أن يكون المقصود منه ومن قوله: {وَآتَى المَالَ} الزكاة المفروضة، ولكن الغرض من الأول ببيان مصارفها، ومن الثاني أداؤها والحث عليها. ويحتمل أن يكون المراد بالأول نوافل الصدقات أو حقوقاً كانت في المال سوى الزكاة.